في حب العزلة- Into the wild

"إذا اعترفنا ان حياة الإنسان محكومة بقوانين لسبب ما فإن فكرة استمرار الحياة محطمة "

- التحرر من كل ماهو زائف 

- Into the wild

بيقولوا دايماً إن الهروب للجبناء والضعيف هو اللي مبيقدرش يواجه الحياة العمليه او الواقع بشكل عام.. 

الفيلم ده بيكسر القاعدة دي... بنشوف كريس في سنته الأخيره في الجامعة، طالب مجتهد، ذكي ومحبوب ومن عيلة حالتها المادية كويسة جداً وده كله فيما معناه إن كريس عنده كل المقومات اللي تخلي حياته سعيدة... في البداية بنشوف كريس وهو بيطلع للمنصه بتهور لإستلام شهادة التخرج وده انطباع مبدأي عن شخصية كريس اللي بتحب المغامرة.... كريس بيتمرد علي كل ده، بيكسر القاعدة اللي فوق وهي إن الشخص مش بالضرورة يكون فاشل وجبان عشان يخلق مبرر لهروبه... بس هنا مش هنقول إن كريس كان جبان وفضل الهروب، كريس كان عنده القدرة على مواجهة الواقع لكنه مكنش معترف إن ده في الأساس هو الواقع.. كريس دايماً كان بيشعر بالزيف.. شاف إن الحياة الروتينية ماهي إلا نظام ساذج مبتذل، مكرر.. التحرر بالنسبة لبطلنا كان بمثابة الهروب من الواقع المستهلك والمتهالك اللي مغلف بما يسمي التحضر.. حرية كريس تمثلت في حياة الإنسان البدائي بين الغابات والجبال ورحلة كريس كانت بمثابة ميلاد جديد ليه.. بني ادم بيبدأ حياته من الصفر، لوحده ايوه لكنه حر، بيكتشف الحياة من جديد أما عن السبب الرئيسي لجعل كريس ياخد القرار ده فكان مشاكل والده ووالدته المتكررة مع بعض واللي خلته يعاني من مراهقة صعبة سبتتله اضطرابات هو واخته ولكن كعادة البشر بيتقنوا الإصطناع واختلاق الأكاذيب لتحسين الصورة المجتمعيه ليهم قدام المجتمع ومش بيلتفتوا لتأثير المشاكل دي علي اولادهم... 

كريس بعد هروبه بيمر بمراحل ممكن نقول إنها اشبه بالمراحل الحياتية لأي بني ادم بيتولد من جديد... المراحل دي هي 

1- الميلاد : بداية بسيطة في الحياة البرية مش بيواجه فيها اي صعوبات وبتكون بمثابة التعرف علي العالم المحيط بيه زي الطفل اللي بيتولد وكل همه هو اكتشاف العالم...

2- المراهقة : كريس في المرحلة دي كل خطوة بياخدها بتتم عن طريق حاجتين يا اما انه بيستشير اي حد حواليه في الطريق اللي بيسلكه يا إما بيتقدمله مساعدة بشكل غير مباشر والمرحلة دي بتمثل مرحلة المراهقة الطبيعية وهي إن البني ادم في المرحلة دي بيحتاج دايماً للإرشاد والمساعدة في كل خطوة..

3- النضج : المرحلة دي بدأت لما كريس اكتشف إنه بيعيش اكذوبه صنعها بنفسه وكانت مبرره للهروب وبيقرر الرجوع من تاني والبعد عن حياة المدينة اللي رجعلها بشكل أخر لكنه المرة دي مجرد مشرد وذليل وبداية المرحلة دي كانت بداية كريس للإدراك والوعي وبداية اعتمادة علي نفسه واكتشاف صعوبات الحياة وحتي بعد ذهابه للبرية بدأ يواجهه صعوبات مكانتش موجوده قبل كدة ودي بتمثل مرحلة النضج اللي بيوصلها اي بني ادم بالتدريج ووقتها بيكون هو الوحيد المسؤول عن نفسه ومجبر يواجه أي خطر بيقابله..

4- العائلة 

كريس بيقابل الراجل والست اللي قابلهم قبل كده لكن  المرادي بينسجم معاهم اكتر بيلاقي فيهم معني العيلة والتعاون وبيلاقي الحب نقدر نقول إن المرحلة دي كانت بمثابة تعويض نواقص كريس.. 

5- الحكمة

مرحلة الحكمة هي مرحلة متقدمة من مرحلة النضج والإدراك وكريس وصلها بعد مرورة بكل الخبرات الحياتيه اللي اكتسبها وفي المرحلة دي بيقابل شخص عجوز ممكن نقول إنه النقيض ليه.. شخص فقد عيلته منطوي علي نفسه بيفضل المساحة الضيقة اللي بيعيش فيها وبيرفض التجديد علي عكس كريس اللي تمرد علي أهله وبيحب المغامرة وبيرفض اي قيود بنشوف الحياة من وجهة نظر الشاب والعجوز وازاي مفهومها مختلف عند كل واحد فيهم وبنكتشف إن الحياة الحقيقية او مفهومها مش مجرد رقم لكن الحياة تحتسب بقيمتها اللي بتحتويها كل المغامرات والصعاب اللي بيمر بيها الشخص بغض النظر عن سنه... 

فروق واضحة مابين حياة البرية الهادية الممزوجه بالحرية ومابين صخب المدينة الواسعة والمجتمع والقوانين..  صورتهم لينا عدسة الكاميرا بشكل ساحر جداً وملاءم لطبيعة كل حياة فيهم عن طريق عاملين وهما الألوان وحركة الكاميرا...  تم التعبير عن حياة المدينة بإستخدام الألوان القاتمة في الكادرات للدليل علي سوداويتها وحركة الكاميرا السريعة للدلالة علي الخوف وتشتت كريس اللي ظهر في نظراته للناس اللي حواليه وفي نفس الوقت نظراتهم ليه.. والسلو موشون كان عبارة عن لقطات لوجوه الناس عن قرب وتركيز اكتر علي وش كريس اللي بيديلنا ايحاء إن كريس عارف إنه في المكان الغلط... أما الكاميرا في البرية كانت بتتحرك بسلاسة وبتوضح الجوانب الجميلة من الطبيعة وكيفية استمتاع كريس بيها، ألوان الطبيعة اللي بتقع عليها العين بسهوله وتلمس جمالياتها والسلو موشون في لحظات الإستمتاع والسعادة والشعور بالحرية بيورينا قد ايه كريس في حالة انسجام تام مع الطبيعة... الموسيقى التصويرية كان ليها دور كبير كمان في ايضاح الفرق مابين مرحلة الميلاد ومرحلة النضج، في مرحلة الميلاد دايماً اتوجدت موسيقى سعيدة ونغمة مغامرة بتوحي بإستمتاع كريس بالحياة .. أما في مرحلة النضج فالموسيقى التصويرية كانت اشبه بالمعاناه.. موسيقي ليها رتم هادي وحزين بتوضح  مدي شدة  الصعوبات اللي اصبح كريس بيواجهها... 

- نهاية كريس كانت نهاية حزينة ممكن تثبت إنه كان علي خطأ في قرارة وهو اللجوء لحياة البرية اللي ادت بموته وحيد وكانت اخر كلماته ان السعادة الحقيقية تكمن في المشاركة.. فممكن نقول إن احياناً الحرية مش هي كل شئ في الحياة والصرخة الأخيرة لكريس اللي تزامنت مع شريط حياته اللي بيمر قدام عينه بتوحي بالندم علي اتخاذ قراره.. لكن في النهاية يمكن كريس عاش اكتر من حياة..

في النهاية احب اقول إن فيلم 

Into the wild

تجربة جميلة جداً وفريدة من نوعها والأجمل إنه مقتبس عن قصة حقيقيه.. فيلم بيتكلم عن الحياة وطموحاتها، الوحدة والتفكك الأسري وأثاره علي الأبناء..  حب المغامرة واكتساب الخبرات.. الصراع مابين الحضارة والإنسان البدائي... تجربة استمتعت بيها كمجمل وكالعادة السينما بالصدف بتاعتها دايماً بتكون موجودة في الوقت المناسب...