أوقات كتير في حالة ربط الأدب أو فن الرسم أو أي فنون أخرى بالسينما عن طريق كادر، مشهد، أو فكرة بيتم الإشادة ب صانع العمل وعبقريته بسبب مجرد ربطه السينما بغيرها من الفنون لكن السؤال هنا هل ده بيكون موفق دايماً أو يستحق الإشادة بالفعل؟
هل في ربط ممكن يكون أفضل من ربط؟
ولو فيه ف إيه المقياس المتبع في الحكم على جودة الربط ده؟
مبدئياً ف كل فن هو أصيل بذاته، له أدواته في التعبير والحكي وبالطبع ف كل ما تم الربط بين الفنون وبعضها كلما أصبح النتاج في النهاية أمتع وخصوصاً لمتلقي ملم بالفنون..
بس ممكن ببساطة نقول إن فيه ربط موفق وربط لا أو ربط يستحق الإشادة فعلاً وربط اعتباطي
ومقياس جودة الربط هنا هو كيفية تطويع الفن الفرعي ده ليلائم سياق التجربة الرئيسية أو الفيلم بشكل أدق لأننا هنا بنختص السينما..
أعتقد إن أضعف صورة للربط ده بتتوجد في حالة إن المخرج استعان بلوحة أو أسطورة أو شخصية في رواية بشكل مجرد من سياق الفيلم ومضمونه وحين المقارنة بين الحدوتة اللي ورا اللوحة مثلاً وبين مضمون التجربة اللي قدامنا بيظهر مدى البعد ما بينهم أو عدم مطابقتهم لبعض ولو حتى في شكل مُتناقضيّن وده بيولد في النهاية مزيج مُبهم ملوش معنى، الحالة دي حتى بتتوجد في السينما نفسها في حالة إن مخرج حابب يرثي مخرج تاني فبيجعل تجربته تضمن مشهد مشابه للمخرج الأول أو حتى كادر وبيراعي تكوينه ليطابق تكوين الأول، ولكن هل مجرد تطابق كادرين وتكوينهم هو نجاح من المخرج؟
تطابق كادرين ظاهرياً ممكن ينجح فيه أي مخرج، بل ممارس مبتدئ لكنه في النهاية هيصبح تطابق ظاهري ملوش مضمون حقيقي، شيء مجرد وخارج السياق ومش أصيل أبداً..
المتلقي مُلزم بالنظر لما هو أبعد من التشابه الظاهري اللي قدامه ينظر للسياق ككل، للمعنى وقتها بيظهر هل التشابه ده حقيقي ولا مجرد رغبة أنانية وطفولية ومحاولة ساذجة من المخرج، مقياس الجودة هنا هو مدى تطويع العنصر المستعان بيه ليلائم التجربة ولو حتى بإظهار تناقض ما بينهم ف حتى التناقض هنا بيخلق معنى، والهدف لابد يكون إما إضافة معنى للتجربة عن طريق الإستعانة بأخرى وإما توكيد مضمون وفكرة التجربة نفسها وبالتالي ف محاولات زي الاقتباس، الرثاء، الإشارة مناسبة لأن تكون وسائل وليست بغايات..
في أمثلة كتير لتطويع فنون تانية لتناسب سياق التجارب المُدرجة فيها ولكن هذكر هنا ٤ أمثلة متنوعة كانت موفقة ف ده..
1- Theorem/ موت ايفان ايليتش
ايفان ايليتش هي رواية لتولستوي بيذكر فيها كيفية موت البطل وهو ايفان، بيركز تولستوي على شعور البطل قبل الموت وبيعبر عن حزنه الشديد لعدم احساس المقربين منه بتعبه ولكن البطل بيشعر ببعض الونس لإقتراب خادمه جيراسيم منه وقت مرضه وإحساسه الفعلي بتعبه ومؤازرته ومواساته وده بيخفف من وطأ الألم اللي بينتاب إيفان، في توريما لبازوليني بيتناول قصة عن زيارة شخص غريب لمنزل عائلة برجوازية وبالتدرج في الحكاية بيبدأ الزائر يحقق رغبات كل فرد من أفراد الأسرة وده بيكون نتيجته إن كل فرد بيُعيد اكتشاف نفسه وأغرب رغبة كانت رغبة رب الأسرة في رفع قدمه فوق كتف الزائر وبرغم غرابة الفعل إلا إنه يمكن فهمه ببساطة بالرجوع لرواية تولستوي وادراك إنه نفس طلب إيفان ايليتش من خادمه جيراسيم ولكن الربط اللي بيخلقه بازوليني في تجربته هو أبعد من مجرد اقتباس ظاهري من الرواية وممكن نقول إن الربط اللي خلقه بازوليني نبع من فهمه العميق ل لُب رواية تولستوي وهو مفهوم الإنسان عن الحياة المعاصرة ورغبته في التملك الدائم للأشياء والإحساس الدائم بالغربة اللي بينتاب أصحاب رؤوس الأموال وده كان بالفعل الأساس اللي ارتكزت عليه تجربة بازوليني وهو بُعد الإنسان عن ذاته وبجانب ده فالإشارة لرواية تولستوي بتوضح أكتر سمات شخصية الزائر الغامض في فيلم بازوليني بل وكمان ممكن نقول إن توريما لبازوليني هي تجربة بتحاكي رواية تولستوي ولكن برؤية أشمل من قِبل بازوليني بالطبع..
2- Cries and whispers / تمثال بيتتا
في فيلم صرخات وهمسات ل بيرجمان بتعاني الأخت الكبري نفس معاناة قرينها إيفان في رواية تلوستوي ولا تجد من يواسيها من إخوتها وفي مشهد ما بين الواقع والحلم بتدخل خادمة المنزل وتحتضن الأخت الكبري وبيصبح مضمون المشهد في اللحظة دي هو احتواء أم لطفلتها الرضيعة نظراً لطريقة تكوين الكادر واللون الأحمر الدافئ والملابس ووضعية الخادمة والأخت، أما المشهد فبيصبح ككل هو إشارة لتمثال بيتتا الشهير، وتمثال بيتتا هو منحوتة لمايكل أنجلو بيصور فيها احتواء مريم العذراء للمسيح بعد تعرضه للعذاب... أما المشهد فهو إشارة أكتر منه تشابه بين التمثال والكادر وبالتالي فالمشهد بيشير لعلة منحوتة بيتتا وهي فقدان الإبن والحسرة عليه وده بيشير لمعنى أعمق لمضمون اللقطة دي وهو إن احتواء الخادمة للأخت الكبرى مش مجرد رغبة نابعة من الإخلاص والشفقة تجاه الأخت ولكنها أيضاً رغبة منبعها عزاء الخادمة لنفسها بسبب فقدان ابنتها وبالتالي فنظرتها للأخت الكبرى هي كنظرتها لطفلتها الصغيرة اللي فقدتها وده بيوضح شيء تاني وهو إن الرغبة المسيطرة في المشهد ده هي شعور الخادمة بالفقد أكتر من رغبة الاحتياج من قبل الأخت الكبرى وعند تلاقي الرغبتان تتجلى صورة مليئة بالعاطفة والحب والألم..
3- Arsenal / The mirror
الكادر الأول من فيلم أرسنال ل دوفجينكو بيعرض حال منزل بعد تعرضه للقصف أثر الحرب وفي وسط الكادر تقبع الأم في حالة من اليأس والوحدة محيطة بالدمار، مشهد بيعرض الأثر الخارجي الموحش للحرب في شكل دمار للمنزل محيط بالأم وفي نفس الوقت تكوين المشهد بيوضح الوحدة واليأس الداخلي اللي بينتاب الأم، بيعود تاركوفسكي في عام ١٩٧٥ ويرثي دوفجينكو في مشهد من فيلم المرآة، مشهد كمثيله في فيلم بيرجمان بيقبع بين الواقع والحلم، فالأم بعد ترك زوجها لها وذهابه للحرب بيتم استنزافها وبتنهار مع مرور الوقت وبيعبر تاركوفسكي عن انهيار عالم الأم الداخلي في شكل حلم بيتم فيه انهيار المنزل اللي بتسكن فيه وبنفس تكوين مشهد الراحل دوفجينكو، وبالتالي فالانهيار الخارجي للمنزل بيعكس الحالة الداخلية اللي بتنتاب الأم من تخبط وحيرة وحتى يعقب المشهد نظره ليها في المراية لتجد نفسها عجوزة، عجوزة داخلياً وكأنها بتبص لحقيقتها أو خوفها الأكبر وبالتالي فرثاء تاركوفسكي ل دوفجينكو يبتعد عن كونه مجرد تشابه ظاهري في التكوين وتم تطويعه ليناسب سياق التجربة ويتجلى بمضمون المشهد بشكل أكبر أما المعنى المشترك فيه التجربتين هو إلقاء اللوم على الحرب.
4- Viridiana / العشاء الأخير
- بونويل في استعارته للوحة دافنشي العشاء الأخير بيضع مكان المسيح شخص كفيف وبعيداً عن مقصد بونويل من التفصيلة دي فبمجرد محاكاته للوحة بيؤكد على فكرة تجسيده رحلة المسيح في شخص فيرديانا وإضافة لقول إن استعارة اللوحة هنا بتؤكد على مضمون تجربة بونويل إلا إن المشهد في نفس الوقت يصبح "foreshadowing"
وبالتالي تصبح لوحة دافنشي هي رمزية عن الخيانة اللي هتتعرضلها فيريديانا في النهاية...
تعليقات
إرسال تعليق