في تجربة المخرج ديفيد كروبنبيرج "The fly" عام 1986 يحاكي كرونبيرج عالمًا من عوالم الكاتب الراحل فرانز كافكا، واستمد كرونبيرج عالمه تحديدًا من رواية كافكا "المسخ" أو فيما يعرف بالتحول؛ حين يستيقظ "جوريجور سامسا" ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة كبيرة الحجم لا تقدر حتى في البدء على الوقوف والحركة ولا تجد سوى أن تستسلم لمصيرها البائس..
بطل فيلم كرونبيرج هو عالم عبقري، مهووس بالعلم، يسعى لإحداث طفرة في تكنولوجيا التنقل من مكان لآخر، فيما يشبه ظاهرة آلة الزمن ولكن لسوء حظه يتعرض لخلل ما أثناء تجربته لآلته ويؤثر ذاك الخلل عليه تدريجيًا حتى يتحول في النهاية إلى حشرة، ويكون له خواصها التشريحية والفسيولوجية، وتلك التيمة دائمًا ما تهيمن وتسود عالم كرونبيرج فهو يرى أن هوس الإنسان بالتكنولوجيا يؤدي إلى تماهي تام بين الإنسان والآلة فيصبح في الأخير جزءًا منها..
وبالطبع لا تخلو تلك التجربة في ظاهرها من محاكاة قصص وأساطير الأميرة والوحش؛ حين حب الوحش المشوه لأميرة حسناء، ومن خلال عرض ذلك التناقض بين مفهوميّ الجمال والقبح الظاهرييّن يتجلى مفهوم الحب..
الشخصيات في عالم كافكا هي في حالة هروب دائم جراء عدم فهم الوجود وهي ترى في رحلتها عدم جدواه، فتنتهي رحلتها إما بالخضوع طوعًا لقوانين عالم محكوم بالعبث، أو الانصياع عنوة نتيجة الضعف البشري أمام قسوة ذاك العالم كما يتجلى في المحاكمة، القصر، طبيب القرية..
يمثل كروبنبيرج هنا ذاك الهروب متجسدًا في الحشرة التي تسعى لإثبات ماهيتها ولكنها تفشل في الأخير نتيجة مخالفتها قوانين العالم والبشر الجمالية، ذات المثالية المفرطة، وتكون نهاية الحشرة كمثل نهاية مسخ كافكا، فتمرده على قوانين العالم هو في النهاية تمرد حشرة، تنتهي حياتها بأيدي أكثر المقربين لها لمجرد الاختلاف..
إن اختلاف مسخ كافكا ليس مجرد اختلاف شكلاني، فهو اختلاف باطني، عقائدي يرفض الوجود نفسه.
تعليقات
إرسال تعليق