تصوير العالم المحيط بشخص يعاني الهذيان أو الانفصام والتيه يبدو في الغالب عبارة عن عالم شديد التعقيد في بناءه؛ متاهة، نفق أو غرفة بتضيق الخناق على صاحبها..
الشخص اللي بيرى العالم بالشكل ده هو في الحقيقة لا يرى إلا العالم الداخلي له، فهو عالم متراكب- معقد وصاحبه هو دائم محاولة التملص منه، ولذلك فالعالم الخارجي يصبح أشبه بمرآة بتعكس هاجسه الداخلي الخاص اللي فشل في الهروب منه، فيبدأ الهاجس بملاحقته وبالتالي فهو كابوس يطارد صاحبه، وهو غير مرئي للغير..
من فيلم المحاكمة لأورسن ويلز |
بدأت العوالم الداخلية في الظهور مع بدء التعبيرية الألمانية اللي اهتمت بتناول أمراض نفسية زي الانفصام، البارانويا وأفضل الأمثلة على عرض تعقيد العالم الداخلي للشخص هو فيلم "كابينة الدكتور كاليجري" اللي بيتجلى فيه تصوير بالغ العبقرية للعالم الداخلي المحيط بمريض الانفصام..
من فيلم كابينة الدكتور كاليجري |
أمثلة أخرى للعوالم دي بتظهر أيضًا في فيلم
"Vertigo"
لهيتشكوك فالبطل يعاني من نوبة ما ولذلك فنظرته للسلالم هي دون نظرة غيره من الناس لها فتبدو له أشبه بمتاهة شديدة التعقيد وكأنه هيستمر في النزول إلى مالانهاية..
في فيلم "The trial" لأورسن ويلز وهو مقتبس عن قصة المحاكمة لكافكا بيحاكي ويلز عالم كافكا الكابوسي اللي أشخاصه في محاولة دائمة للهروب منه، لكنهم عاجزين فيصور ويلز البطل في محاولته للجري كأنه أشبه بفأر في مصيدة، من حجرة لحجرة، من متاهة لمتاهة أكثر تعقيدًا منها، من النور إلى الظلام الحالك، غرف ضيقة وبتزداد ضيقًا على بطلها..
وجدير بالذكر بالطبع فيلم آلان رينية
"Last Year at Marienbad"
وهو كتابة
أب من آباء مابعد الحداثة آلان روب جرييه..
بيشبه آلان روب لاوعي الأبطال بقصر كبير، مليء بالغرف الأرض أشبه برقعة شطرنج، مرايا بتعكس أوجه عده لناظريها، سكان القصر في تيه تام، مشاعر وذكريات ورؤى بتختلط بعضها ببعض، قصر معدوم الحياة بيأسر سجناءه والحل في التخلي عنه.
تعليقات
إرسال تعليق