" صراع البقاء في مستنقع الخنازير "
Pigsty (1969) / Pier Paolo Passolini
فيلم زريبة الخنازير لبازوليني بيحكي حكايتين هما ظاهرياً مختلفين في كل عناصرهم ( الزمان، المكان، السلوك ) دول الركيزة الأساسية للحكايتين..
الحكاية الأولي بتستعرض حياة الإنسان البدائي في زمان ومكان ملهمش أي ملامح والتانية بتستعرض حياة الإنسان المعاصر عن طريق حكاية عناصرها هما أسرة برجوازية عبارة عن أب وأم وإبن وصديقة للإبن.. شوفت اتهامات كتير للفيلم ده بعدم وجود ترابط بين عناصره وعدم وضوح فكرته أو غرضه.. طيب هل في ربط بين الحكايتين أو أي وجه تشابه فعلاً ؟
بالتأكيد في ربط ومكانش مجرد ربط ده ربط وصل للتطابق..
الحكاية الأولي استعرضت حياة إنسان بدائي والإنسان البدائي بطبيعته كان بيتبع غريزة البقاء للأقوي.. همجي وعشوائي ممكن يفعل في أي شيئ في سبيل الحياة حتى لو كان ده عن طريق إنه يتحول لأكل لحوم بشر في سبيل الإستمرارية وده بشاعته ظهرت بوضوح تام في سرد الحكاية...
الحكاية التانية استعرضت حياة أسره برجوازية بتدعم الفاشية الألمانية وده ظهر بوضوح عن طريق الحوار وحتى التطابق الشكلي الواضح بين رب الأسرة وهتلر...
اللي بيربط القصتين هو الشر المتأصل في النفس البشرية.. الأزمنه والأماكن اختلفت وحتى المظاهر الإجتماعية المتحضرة تجلت بالظهور ولكن لسه فكرة البقاء للأقوى مترسخه في عقل الإنسان.. نقدر نقول إن الإنسان المعاصر بيستخدم نفس غريزة الإنسان البدائي ولكن بشكل لبق أكتر وبيتم ده عن طريق الأنظمة السياسية المعاصرة وحرب الأيدوليجيات..
الولد ابن الأسره البرجوازية والداعمة للفاشية هو الجيل الجديد اللي بيعاني من أثار الحروب والوحشية، جيل بيحاول التغيير وبنشوف ده عن طريق سخط الإبن على العائلة واختيارة الصمت المفاجئ بدون أي مبررات وحتى قبل قراره عن السكوت كان منعزل عندهم وبنشوف ده عن طريق مشهد رمزي للشاب وهو قاعد في شيئ شبيه بالذهب الخالص بيعزله عن صديقته وهو بيتكلم معاها... الشاب ملوش أي ذنب ولكنه بيعاني من تبعيات الحروب والأنظمة الفاسدة...
بازوليني مكتفاش بفضح الإنسان المعاصر وتشبيهه بالإنسان البدائي الوحشي ولكنه كمان قام بفضح الجانب الديني واللي ظهر في الحكاية الأولي كسبيل لخلاص الإنسان البدائي وتطهيره من ذنوبه ولكن بازوليني برغم إظهاره للدين ورجال الكنيسة كمخلصين إلا إنه أظهر الدين في النهاية كسلطة مفيش فرق بينها وبين الشر اللي بيقود الإنسان للهلاك في النهاية.. بازوليني جعل الدين عقاب وليس سبيل للخلاص من الأثام...
وممكن بشكل ما نقول إن بازوليني فصل الدين عن رجال الكنيسة وجعل الدين هو المخلص وده ظهر لما البشر البدائيين اعترفوا بذنوبهم ولكن الفاشية تمثلت في رجال الكنيسة المترسخ عندهم فكرة العقاب وانتهى الأمر بربط البدائيين في الصحراء وتركهم للتهلكة...
الفيلم بينتهي نهاية وحشية، صادمه لكنها واقعية ومعبره.. ابن الطبقة البرجوازية بينتهي في زريبة الخنازير كوجبة ليهم واهل القرية بيشوفوا ده وبيروحوا يبلغوا عن الواقعة اللي شافوها ولكن صديق العائلة واللي بيتبع نفس فكرهم بيسألهم هل الشاب اتبقاله أي أثار؟ اجابتهم بتكون النفي، بيؤكد سؤاله للمرة التانية وإجابتهم بتكون النفي بشكل قاطع.. وينتهي الفيلم بالمشهد اللي في الصورة وهو المطالبة بالسكوت.. رمزية عن بشاعة الأنظمة السياسية الفاسدة اللي مبيهتموش بأي شخص غير اللي بيتبع فكرهم ونظامهم القمعي وطالما لن يمسهم الأمر بسوء فلا داعي لإحداث الجلبة... بازوليني شبه الإنسان ده بالخنزير اللي بينتمي لزريبة الخنازير اللي بيمثلها الطبقة البرجوازية وكل الأنظمة الفاشية الإستبدادية.. مستنقع من القذارة تأصل شر الطبقة دي من خلاله ولا يوجد أي فرق بين هذه الطبقة والإنسان البدائي الوحشي سوى إنها بتقوم بأفعالها ولكن في غلاف حضاري...
ينهي بها بازوليني فيلمه ويعلنها طلعت زكريا صريحة ..
دانتوا بشر خنازير..
تم النشر بتاريخ 21 فبراير عام 2019
تعليقات
إرسال تعليق