في رثاء شارلي شابلن

 " شارلي الصغير "

سيرجي أيزنشتاين في مذكراته خصص جزئية كاملة بيتكلم فيها عن شارلي شابلن وركز بشكل كبير على محاولة فهم شابلن ونظرته للحياة وأسبابها... 

أيزنشتاين وصف شابلن بالطفل، الغلام، المتصابي وبرغم إن الوصف ده ممكن يكون مُهين لمعظم الناس في حالة مناداتهم بيه إلا إن أيزنشتاين جعل منه مدح لشخص شارلي والسبب إنه كان شايف إن الشخص المرح ذي الأفعال والنظرة المتصابية والمحتفظ بروح الطفل هو اللي بيكون عنده قابلية للحياة أكتر وبيستمتع بيها.. 

وفي وسط الكلام عن شابلن ذكر أيزنشتاين مثال جميل بيوضح فيه نظرة شابلن اللي بتميزه عن غيره من الفنانين والبشر عامةً وبتجعله حالة خاصة وفريدة من نوعها.. 

مجموعة من الأطفال بيضحكوا على ست وهي بتضرب راجل سكران نايم على الأرض، الأطفال بيضحكوا على الموقف بالرغم من إن الست دي أمهم والراجل هو أبوهم ومش سكران ده ميت وهي بتضربه علشان سابهم ومات وهي مش هتعرف تعيش من غيره ولا تقضي إحتياجات الأطفال..

أيزنشتاين بيقول إن شابلن هو واحد من الأطفال دول، مش مهتم بالحدث وسوداويته ولا مهتم يعرف خلفية عنه، متجرد من الإنسانية والأخلاقيات مش شايف غير شكل دماغ الراجل وهي بتتهز بشكل كوميدي يمين وشمال بعد ما مراته بتضربه وهو ده اللي بيميز شابلن، السر بيكمن في عنيه اللي بيشوف بيها المواقف، بيخلق من المعاناة موقف كوميدي وبيسخر من كل شيء مهما كانت جديته، بيكسر كل الحواجز الغير مسموح بتجاوزها وبيتمرد عليها وكل ده في إطار كوميدي ساخر بيتجاهل تبعياته.. 

زيادةً على كلام أيزنشتاين حابب أقول إن شابلن فنان إستثنائي، إستثنائي في كل شيء، بغض النظر عن النقطة اللي الكل بيتكلم عنها وهو طرحه للقضايا الإنسانية بشكل سلس وبسيط وساخر إلى أخره،  شابلن كان بيمثل وبيخرج وبيكتب وبيألف الموسيقى وبيمنتج، وده يجعله فنان صاحب رؤية شاملة وليه فلسفة خاصة بيه، تفرد بيها في الحقبة اللي ظهر فيها وتميز بيها عن غيره من صناع السينما في الوقت ده لإنه برع  في إستخدام الكوميديا السوداء في وصف كل حالة إتكلم عنها في أفلامه وكان سابق عصره في توظيفها فمكانتش أفلامه مقتصره على الكوميديا ولا مقتصرة على الرسالة اللي بيقدمها، شابلن أقدر أقول إنه خلق مزيج مُحكم الربط مابين الإتنين وقدمه بشكل مثالي يفاضله على غيره وده جعل أفلامه عميقة التأثير وتأثيرها ده هو سبب ترسيخها في عقول المشاهدين لحد دلوقت .. 

ومن أكتر الحاجات اللي بتميز شابلن ودايماً أحبها فيه برغم إنه دائم تكرارها هو بطل الحكاية في فيلمه... بطل شابلن بيكون هو المهمش الوحيد في حكايته، المهمش اللي بيسعى لجعل العالم مكان أفضل، وهنا بتكمن فلسفة شابلن إنه بيجعل أضعف البشر الموجودين وأقلهم حيلة هو الوحيد القادر على مواجهة الصعاب أياً كان شكلها سواء إتجسدت في مساعدة شخص أو في نظام ديكتاتوري بيتمرد عليه أو مجتمع بينهار بيكون هو منقذه الوحيد وده بيخلق بطل من العدم وبيوصل مفهوم إن المُخلص مش لازم يكون بطل خارق ولا ثوري ولا شخص مفتول العضلات أو شاب وسيم بيقع في حب البطلة.. لا هو في النهاية مجرد شخص عادي بل ويكاد يكون نكره، بيتمرد على النظام المحيط بيه بسلاحه الوحيد وهو السخرية.. 

شارلي شابلن واحد من أعظم صناع السينما اللي اتوجدوا، أثر على صناع كتير زي أيزنشتاين وتاركوفسكي وبيرجمان وفيلليني ومنهم اللي قام برثاءه زي بازوليني وده يثبت تأثيره الطاغي على صناع السينما وأثره الكبير اللي تركه للفن حتى وقتنا الحالي... 

ذكرى ميلاد سعيدة للفيلسوف المتصابي شارلي شابلن

تم النشر بتاريخ 16 إبريل عام 2019