بمُديته، يشق الأسطى سيد غطاء الفرشة وينتزع منها برتقالة، يتقاسمها فور وصوله لموقف الميكروباص مع صديقه الأسطى رينجو، تعبّر انشراح عن انزعاجها من الصوت العالي لغسالة بطة، يعرب الأسطى محمد الحلاق عن خوفه من الحكي لشخص ميت لا يستمع لحواديته، ولا يحكي عم صالح ماسح الأحذية سوى عن النساء.
يحكي نيتشه عن تخيل زرادشت لأفعى مخيفة، جميلة من بعيد، مشوهة عن قرب، كلما اقترب منها خاف، كلما ابتعد عنها ازداد تتيمًا، لقد سئم زرادشت من القرب والابتعاد، ليصل لنتيجة مفادها: فلتراقص الأفعى ولو كانت تنثر سمًا.
تلك النتيجة هي بشكل ما نوع من التواطؤ، تواطؤ مع الحياة؛ تقبلها، من ثم حبها، بشرها قبل خيرها.
"Amor fati!"
يعلنها نيتشه على لسان زرادشت بصراحة؛ فلتحب الحياة، ولو أعيدت آلاف المرات، وهنا جوهر "العود الأبدي" عن نيتشه.
الصداقة بين الرجال لها الأولوية عند الأسطى سيد، في البداية يتقاسم سيد برتقالته المسروقة مع الأسطى رينجو، بعدها على الطريق وحين مغازلته للفتاة الجامعية بجواره-حبيبته الآتية من عالم مختلف-طبقة أخرى-وبداعي الحميمية يعطيها الأسطى سيد كوباية شايه، وحين حضور رينجو من جديد وظهوره بمحاذاته على الطريق يناوله سيد الشاي، هنا الأولوية لرينجو كتعبير عن المحبة والتقدير-الصداقة كما يعرفها سيد، في الأخير وحين يحتد الصراع، بعد رفض سيد نسب رينجو، وغضبه على أخته انشراح لرغبتها بالزواج من رينجو، يثور رينجو، يطلب من الأسطى محمد أن يحلق له شعره بمنتصف الليل، في حضور سيد عند محمد الحلاق يعرض سيد على رينجو اقتسام البرتقالة-بغضب يلتقطها رينجو، هنا اتفاق ضمني على أن البرتقالة أصبحت عهدًا-ميثاقًا بين الأصدقاء-لا يجوز نقضه، وهذا لا يمنع رينجو أيضًا من فتح جبين سيد بمطواته، ثم الارتماء بين ذراعيه والبكاء، يبتسم سيد، يحتضن رينجو ويرافقه للبيت.
انزعاج انشراح "أخت سيد" من صوت غسالة بطة "عشيقة سيد"، لا يمكن اعتباره على أنه مجرد انزعاج من صوت طنين الغسالة، إنه انزعاج من دلالته؛ العلاقة الجنسية لبطة، هنا غضب انشراح غضب يتجاوز المادي-المتمثل في صوت الغسالة، هو غضب نابع من كبت الغريزة، فانشراح عانس لا تمارس الجنس بعكس بطة، هذا العوز للجنس هو ما يحفز انشراح تجاه بطة، وليس الوازع الأخلاقي، تعبر انشراح عن غضبها في الأخير بتدمير الغسالة، فتضحك.
يجيد الأسطى محمد الحلاق الحكي، ربما يعيش ليروي، خوف الأسطى الوحيد هو أن يحكي لميت، يستعجب من قدرة الحلاق اليوناني الذي يمارس الحلاقة للأموات، في الأخير يموت الجد "علي" بين يدي محمد الحلاق، وفي أسى يعرب محمد الحلاق عن ضيقه الأكبر، وضيقه ليس نابعًا من موت عم علي، بل للدقة، موته أثناء الحكي.
عم علي ينتمي لجيل الثورة الأولى، ربما هي نكسة، تُورث الربو، الجيل اللاحق "عبد الله" زادت نكسته، يتعاطى الحشيش لينسى خيبته، الجيل الثالث "سيد" كيفه في المَغنى هو "عدوية" ربما هي سلسلة متتابعة من الخيبات. في مشهد جانبي تعري انشراح فخذها لصبي الفرشة شعبان، على مرأى من الجد المحتضر-وعيًا، الجسد حاضر شاهد على التواطؤ في صمت مطبق.
على خطى مفارقات الآخرين، يَظهر ولع عم صالح ماسح الأحذية بالنساء، بدءًا بحديثه عن التماثل بين النسوان والقطيفة، مرورًا بمشهد جلوسه تحت قدمي راقصة الفرح، في الأخير، يتصيد عم صالح الواد "حلزونة"، حلزونة أهطل بلسان مقطوع، وربما هو أحد شعراء هارون الرشيد المقطوع ألسنتهم.
يحكي عبد الله عن خوفه في الصغر، من مرض الربو المتوارث في عائلته، يختتم كلامه ب : الربو دين على عيلتنا لازم توفيه.
عبد الله كالآخرين، كل منهم لديه خوفه، وكل ساكن في الحي لديه ما يخفيه، ما يحدث في الآخير هو مواجهة حتمية، بين القدر المشؤوم-الذي يهابه الجميع وبين أُناسه، هو لقاء مُكره ولكن لابد من حدوثه، تاريخ مكرر من التواطؤ والخيانة والصمت يعاد، لابد من مواجهته ومن ثم التسليم له.
الاعتراف بذلك التواطؤ هو في الأخير المدخل لعيش تلك الحياة، والحاضر المشؤوم، المضي قدمًا، كعبد الله والأسطى السيد، جنبًا إلى جنب بعد انتشال البرتقال.
تعليقات
إرسال تعليق