القائمة الرئيسية

الصفحات

 يتضح من سينما فيلليني هوسه بالنساء، ويلحظ ذلك بدءًا من 

"الحياة حلوة" و "ثمانية ونصف" ومرورًا بتجارب عديدة ك "أماركورد"، " كازانوفا" حتى الانتهاء ب "مدينة النساء" والذي يتجلى فيه هوس فيلليني ويتبلور، متمثل في رجل، رحلته تكون هي المعادل لأليس في بلاد العجائب- بلاد العجائب هنا هي عبارة عن مدينة كاملة من النساء.


شبقية فيلليني تلك لا تقتصر على شبقية مادية- أو نظرة ذكورية تجاه النساء كما شيع عنه، النساء في سينما فيلليني متجاوزات لذلك الحيز، فمن خلال النساء في أفلام مثل أماركورد، ثمانية ونصف، والحياة حلوة-يستحضر فيلليني ذكرياته وماضيه، ذلك الجانب الحميمي / الطفولي في شخص فيلليني، وهو جانب يعرفه جيدًا من خلال نساءه، ليست النساء بالضرورة رمزًا، فالنساء تصبح  أشبه ببوابة الزمن؛ مرآة أورفيوس، التي يعبر خلالها فيلليني من واقع مادي جامد- إلى عالم الأحلام والأبدية.




هنا يستمد فيلليني خلوده من خلال نساءه، لأنه موقن مسبقًا بأن وجود الطفل / الروح المقبلة على الحياة بداخله- مشروط بوجود النساء، ليس نوعًا من المراهقة، إنما إيمان بأن المرأة هي البوابة دومًا للفهم.

 فيتضح من كل ذلك أن لفيلليني شاعرية خاصة. 

تصبح الأنثى عند فيلليني هي مرآة، هي الآخر، من له القدرة على الولوج للداخل، بصيرة بدون تكلف أو جهد، انعكاسات عديدة تمثل كل ماهو غامض، حميمي، جميل، بريء ومفتقد.

زامبانو في "الطريق- La strada" مثلا، يبكي في النهاية حزنا على فقدان جلوسومينا، يصرخ زامبانو في الأخير لضياع براءته هو التي تمثلت في الفتاة وليس حزنا على ضياعها.



وفي فيلم "الحياة حلوة - La Dolce Vita" يسلم مارشيللو بعجزه عن اتخاذ قرار، الفتاة الشابة على الجانب الآخر، هي تمثل لما هو روحاني مفتقد، لكن مارشييلو لا يستطيع التخلي عن لهوه، وهو مقر في داخله- وواعي تماما بخسارته.



في "أماركورد - Amarcord" هنالك جراديسكا تلك السيدة المثيرة التي يحكي عنها الصغار والكبار، يربط فيلليني بينها وبين حبه للسينما بجمعهما في مكان واحد، تماهي وتوحد مع كل ماهو حميمي بالنسبة لفيلليني، فتبدو جراديسكا كبوابة زمنية ينتقل من خلالها فيلليني إلى طفولته حينما تيّم بالسينما.



"ساراغينا" من فيلم ثمانية ونصف ربما هي السر الأكبر الذي حمله فيلليني، هي ليست بريئة بقدر جلوسومينا، وليست مثيرة كجراديسكا، كما أنها ليست شابة عفوية كالفتاة على الشط الآخر في نهاية الحياة حلوة.


ساراغينا هي امرأة سمينة، قبيحة الوجه، ذات شعر أشعث، منزوية وحادة الطباع. هي النقيض لكل ما سبق، هنا عودة لمفهوم ما هو "شاعري" في نظر فيلليني، وفيلليني يعي تماما أن كل ما هو شاعري غير مرتبط إطلاقا بما هو بريء وجميل (ظاهريا) وبغض النظر عن ميل فيلليني للنساء السمينات، ففيليني يجمع في ساراغينا كل ماهو منفر للجمهور، على الرغم من ذلك بدت ساراغينا أشبه بحلم جميل يتذكره البطل "جويدو"، ومن خلالها عبر جويدو إلى ذكرياته، يربط بينها وبين البحر، والبحر هو ما يعشقه فيلليني ويمجده في سينماه.



كل ما يتذكره جويدو عن ساراغينا هو جلوسها وحيدة منزوية قرب شاطئ البحر بينما تعطي ظهرها للأطفال. فتبدو تلك هي صورة ذهنية عند فيلليني لكل ماهو غامض ومفتقد في الحياة، وكأن ساراغينا هي السر الوحيد الغير مكتشف لدى فيلليني.

تعليقات