في أزرق كيشلوفسكي، وبعد موت كل من ابنة "جولي" وزوجها، تسيطر على جولي نزعة عدمية وتدميريه للذات.
الألم بداخل جولي يتم كبته، ولا يتم التعبير عنه بالبكاء، هنا يتجاوز ألم الفقد فكرة البكاء، فينعكس الألم في ردود أفعال عصابية مستمرة، مثل تدمير الزجاج في المشفى، انتزاع بعض الأجزاء من النجفة الزرقاء، تدمير النوتة الموسيقية لزوجها الميت بإلقاءها في عربة القمامة.
فعل الأكل نفسه- عندما تجد جولي قطعة حلوى- فإنها تقضمها بعنف، وتنتهي جولي بجرح يديها عبر تمريرها على جدار خشن - عن عمد.
النزعة التدميرية لجولي تبدأ من الذات وتنتقل للخارج، منعكسة في تلك الأفعال المؤثرة على المحيط من حولها، تريد جولي نسيان الماضي كله على أمل التحرر، فتتخلص بشكل أخير من رجل يحبها عبر قضاء ليلة معه ثم هجرانه، تؤكد على نيتها في بيع منزلها هي وزوجها الراحل، تتخلص من كل شيء يذكرها بماضيها، إلا نجفة زرقاء ذهبت بها إلى شقتها الجديدة.
النجفة الزرقاء هي مكون رئيسي في شخص جولي، تتوتر فيما بعد جولي عندما تلمس النجفة جارتها " لوسيل" .
تطلب جولي من مؤجر الشقة أن لا تحتوي العمارة على أطفال، لا تريد جولي تذكر ابنتها الميتة، كما لا تخبر أحد عن عنوانها، تتضح النية الجادة لجولي بترك الماضي على أمل المسير في الحياة- وعقد هدنة معها.
تنكشف جولي أمام سذاجة ظنها بأنها لمجرد محاولة ترك الماضي وراءها ستتحرر، فتكتشف في شقتها الجديدة فأرة قد ولدت مجموعة من الجرذان الصغار، حتى تلك الجرذان الصغيرة تذكر جولي بابنتها، يجدها أوليفيه التي هجرته بعد محاولة تتبعها في المقهي الذي تجلس فيه، كما تكتشف عشيقة لزوجها الراحل، الماضي مستمر في مباغتة جولي.
هنا تدرك جولي للمرة الأولى، أن التحرر لا يأتي بالهرب، بل بالمواجهة مع ذلك الماضي والتصالح معه، ليس تدمير المقطوعة الموسيقية، بل إكمالها، لولادة جديدة.
حينها تستطيع جولي التماهي مع الأزرق- لون الحزن- والبكاء، للتعبير عن الألم، والحزن الكامن بالداخل، والذي يكون مُعادلًا لتحرر جولي في الأخير.
Three Colours: Blue / Kieślowski
تعليقات
إرسال تعليق