القائمة الرئيسية

الصفحات

البحث عن منفذ آمن لخروج السيد رامبو- سيادة قانون الغاب

 

 بعد خوض رحلته في المهرجانات العالمية بدءً من مهرجان فينيسيا ويليه قرطاج والبحر الأحمر وغيرهم، بدأ العرض التجاري في مصر لفيلم "البحث عن منفذ آمن لخروج السيد رامبو " في 1 يناير من عام 2025.

وقوبل الفيلم باحتفاء شديد من الصناع ومحبي السينما من الشباب والجمهور العام، حيث تم وصفه بأنه فيلم يقع في المنطقة بين التجاري والفني، وهو طموح كبير لصناع السينما في الوقت الحالي لأن التوفيق بين التجاري والفني معادلة شديدة الصعوبة ويسعى صناع السينما في الآونة الأخيرة للوصول إليها، أملًا في جذب الجمهور لقاعات السينما من جديد واستعادة تراث السينما المصرية الثري جدًا منذ بدئه عبر الاستمرار بصناعة الأفلام التي دومًا ما نجحت في التعبير عن المواطن المصري، كما نرى في أفلام محمد خان وعاطف الطيب وصلاح أبو سيف وغيرهم.

 تلك الميزة المتفردة للفيلم غطت على بعض مشاكله، التي تمثلت في كتابة بعض الشخصيات، مثل شخصية كارم، الشرير النمطي، والحبيبة السابقة المسالمة على طول الخط، والعم اللزج الذي لا نراه إلا في مشهد واحد ليشير للبعد الرمزي للفيلم، ومشاكل في الحكبة تظهر قبيل النهاية.

 يبدأ فيلم رامبو بلقطة عن قرب لأحد الضباع وهو يقوم بفعل الافتراس بينما لُطخ وجهه بالدماء، والافتراس كما نعرف هو مبدأ أساسي لقانون الغاب، ومن اللقطة القريبة ومن ثم الابتعاد تدريجيًا نجد أنفسنا في منزل حسن (عصام عمر) ونراه بينما يشاهد التلفاز، تسأله أمه

 (سما إبراهيم) عن ما ينوي فعله في يوم ميلاده القادم، ليجيب: "هتفرج على فيلم الغول.. زي كل سنة".

ومن خلال الانتقال المباشر من منزل حسن إلى ورشة كارم (أحمد بهاء)، نرى كارم وهو يشبه الضبع الذي شاهده حسن في التلفاز، نفس السمات الشكلية، والطباع أيضًا، وبالتالي نعرف أن عالم حسن وكلبه رامبو هو عالم محكوم بقانون الغاب الذي تم الإشارة له في البدء، كما نعرف من خلال الحوار الذي يدور بين كارم وأم حسن بأن كارم لا يختلف أبدًا عن ذلك الضبع المفترس لأنه يصر على طرد حسن وأمه من البيت بدون رحمة، رغبة في توسيع الورشة – على حد قوله، بينما يظهر من خلال المشهد انهزامية شخصية حسن وضعفه، عجزه الكبير عن مواجهة وحش مثل كارم.


وتبدأ الأزمة بين حسن وكارم بإصرار الأخير على التعدي على حسن عند عودته من عمله ليلًا، وأثناء مشادة بينهما يفتعلها كارم يبادر رامبو الكلب -والذي نعرف بأنه الصديق المقرب لحسن- من المشهد الأول- بعض كارم لإبعاده عن صاحبه.

يستمر التصاعد بعد تلك الواقعة فيصر كارم على موقفه بطردهم من البيت إلا في حالة تسليم حسن للكلب رامبو ليأخذ كارم بثأره منه.

يرفض حسن الأمر لأن رامبو يعني له كل شيء ويبدأ في البحث عن مأوى آمن لرامبو ليبعده عن أيدي كارم الذي تتضح نيته للبطش برامبو.



يذهب حسن فيما بعد لعمه، والذي يحدثه عن والده الغائب، وعن كونه "رجل ذو طابع طفولي"

بينما يرفض حسن تلك الفكرة عن أبيه ونراه متعلقًا فيما بعد بشرائط أبيه المسجلة التي يغني له فيها.

موقف العم كموقف جميع أهل المنطقة التي يعيش فيها حسن، فالجميع يرى من اليسر تسليم رامبو لكارم لتحل المشكلة، بينما يرفض حسن تسليم الكلب ليقينه بأن كارم سيؤذيه.

وفي محل العم الذي يقترح تسليم رامبو يظهر في الخلفية صورة من جريدة قديمة تحتفي ببطل السلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

الإحالة السياسية للعمل تبرز هنا، ويظهر سخط صناع العمل المستمد من جيل السينمائيين الذي سبقهم، وهو جيل الواقعية الجديدة المتمرد، الذي حارب بوضوح الانفتاح الساداتي ورفض فكرة السلام مع الكيان المحتل.

 ويتضح ذلك الأثر هنا في رغبة كارم بطرد حسن وأمه من البيت "لتوسيع الورشة" كما نرى تقاربا بين شخصية حسن في رامبو وحسن في فيلم "سواق الأتوبيس" لعاطف الطيب، فيتعرض حسن لنفس الخذلان من جميع من هم حوله حين يصرون على تسليم رامبو بينما هو يرفض الفكرة، وهو نفسه الخذلان الذي عانى منه حسن "نور الشريف" من أهله في الفيلم المذكور حين حاول الحفاظ على ورشة أبيه، كما يتشابه البطلان في كونهما "بطل سلبي" يتطور على مدار الأحداث حتى يقوم بفعل إيجابي في النهاية.

 يبدو حسن متيمًا بفكرة البطولة، عبر حبه لفيلم الغول حيث يتخلص الخير من الشر في النهاية، وحكيه عن إعجابه بفيلم رامبو حين ذهب مع أبيه لمشاهدته واندهاشه من قدرة رامبو على محاربة الأشرار وصرعهم واحدًا تلو الآخر، ويبدو ذلك مناقضا تمامًا لشخصية حسن، العاجز تمامًا عن القيام بأي فعل إيجابي في حياته، فحينما يلجأ لحبيبته السابقة أسماء (ركين سعد) لمساعدته نعرف بأنها مخطوبة لشخص آخر ويظهر عدم الرضا والانكسار على وجهه.

هنا تتجلى انهزامية حسن الذي نتيقن بهزيمته على كل المستويات، انهزامه أمام كارم، وانهزامه في عدم الحصول على الحبيبة التي يتمنى، ثم انهزامه الأكبر بعدم قدرته على الوصول إلى والده ومعرفة إن كان حيًا أم ميتًا. 

هنا يتضح أن انهزام حسن نابع في الأساس من سببين، الأول هو افتقاد الأب، والأب هو الرمز الأول للبطولة عند الطفل، والسبب الثاني هو قسوة واقعه، واقعة المهزوم فيه بضراوة، والذي لا يشبه الخيال الذي يحب، حيث ينتصر الأخيار بسهولة في النهاية.



ومن خلال افتقاد حسن للأب الغائب- القدوة ورمز البطولة - تضح أكثر العلاقة الوطيدة لحسن برامبو، فحسن مفتقد للأب، ذلك الرمز الغائب، وهو يحاول تعويضة دومًا، عبر استحضار ذكرياته معه، إيجاد أي خيط يقود إليه ومن ثم التمسك به، وبالتالي يصبح رامبو هو الأب، هو الحامي، ويتجلى ذلك في مشهد دفاع رامبو عنه أمام كارم، ولذلك تتخطى علاقة حسن ورامبو علاقة إنسان بحيوان، فهي علاقة تعويضية في المقام الأول، اعتمادية من حسن نتيجة افتقاده للرمز الأبوي.

قبيل النهاية بقليل وحين اطمئنان حسن على رامبو أخيرًا حينما يجد مأوى للكلاب، يجدهم كارم ويقوم بإطلاق النار على رامبو ويصيبه في عينيه، حينها يقرر حسن الانتقام من كارم، وهنا يكون التناص بين "حسن" وبين عادل عيسى (عادل إمام) من فيلم الغول، حينما قرر الانتقام من فهمي الكاشف (فريد شوقي).

طريقة الانتقام في فيلم الغول تشير لغياب القانون، وهو ما نجده هنا في عالم رامبو مرارًا، فلا يتجسد ذلك فقط في توحش كارم المستمر، بل يتجلى في المشهد الذي يذهب فيه حسن مع الحلاق الذي عمل ممرضًا في السابق – إلى مكان مجهول، فيرى الكلاب تتصارع في حلبة حتى الموت- بينما تتم المراهنات عليهم، وهنا يتيقن حسن بالغياب التام للقانون.



يذهب حسن إلى كارم ويحرق سيارته ويصيبه في جسده بعد عراك معه، لينتهي الأمر بحسن وأمه وحيدين في الخلاء بعد طردهما من البيت.

فعل حسن ينطوي على وعي كبير بواقعه وحدود قدراته، فهو إدراك أولي لواقعه المختلف عن الخيال، حيث لا ينتصر الخير بشكل كامل، وثانيًا فهو إدراك لحتمية الخسارة، ورغم اليقين بتلك النتيجة لا يجد حسن سوى حتمية المواجهة، الفعل الإيجابي مهما كانت العواقب.



ينتهي الفيلم بحسن وأمه بينما يراقبان القاهرة كلها من أعلى، كدلالة على عمومية الهزيمة، هزيمة جيل بأكمله وسرقة أحلامه، وفي الخلفية كلمات أغنية "شجر الليمون" بصوت منير للتأكيد على تلك الحالة وتوثيقها:

"كل شيء بينسرق مني.. العمر مالأيام

والضي مالنني.. وكل شيء حواليا يندهلي.. جوايا بنهدلك.. يا ترى بتسمعني"

وهي كلمات كتبها الشاعر عبد الرحيم منصور وغناها ولحنها في الأصل أحمد منيب، وفيها يرثي عبد الرحيم منصور شجرة الليمون، ويحزن لذبولها، رغم كونها نادرًا ما تذبل.

أنت الان في اول موضوع
author-img
كاتب سيناريو وناقد مصري

تعليقات