سينما نوفو: ثورة سينمائية هدفت للغضب

في الخمسينات من القرن الماضي في البرازيل ومع هيمنة سينما التشاوشادا المسيّسة - بجانب انتشار المواضيع التاريخية القومية المبالغة في عاطفتها- كان لابد من حركة سينمائية مضادة لرصد واقع المجتمع البرازيلي من فقر ومجاعات واستبداد، لنفي صورة مُجمَلة عن واقع بيتم تصديره للخارج، فكانت التشاوشادا كمثيلتها في إيطاليا- أفلام التليفونات البيضاء في عهد الفاشية- بتصدر صورة مغلوطة عن المجتمع الإيطالي، زيها زي السينما المصرية في التلاتينات والأربعينات، واللي هيمنت عليها الأفلام الغنائية والاستعراضية فيما عرف ب "سينما الكبارية".

كل سينما من دول كانت بترصد فئة محدودة جدًا متجاهلة السواد الأعظم من الشعب، وكانت بترتكز بالمثل على الكوميديا السطحية والاستعراضات، وده يفسر ليه تحديدًا تم تسمية السينما دي بتشاوشادا، وهو مسمى مشتق في الأصل من الأسبانية، ومعناه مزحة- كوميديا- مبتذلة.

بالتالي كان الانتشار للمواضيع دي عوضًا عن أي موضوع حقيقي وجاد هو انتشار مفهوم، وده بيتمثل بشدة في فيلم زي "Carnaval Atlântida" بجانب المواضيع التاريخية القومية والعاطفية- اللي بيمثلها فيلم زي "Sinha -Moca" ودي كانت الاتجاهات السائدة في الوقت ده، وبالطبع ده كان نابع من هيمنة ستديوهات كبرى على الإنتاج، زي ستديو

"Atlântida Cinematográfica".

ترتب على ذلك، مع نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات تَبلوُر حركة سينما نوڤو، واللي كان من روادها مخرجين زي نيسلون بيريرا، اللي مهد فيلمه الصادر عام 1955 للحركة، وهو فيلم 

"Rio, 40 Graus"

بجوار أبرز رواد الحركة، جلوبير روشا، وروي جويرا وباولو سارسيني وجواكيم بيدرو اندرادي، وكل دول تجلت أعمالهم مع بداية الستينيات.

تشابكت أفلام رواد الحركة في عدة مواضيع واشتركت في بعض السمات واللي ممكن نقول بيأسس لها فيلم بيريرا، زي رصد معاناة سكان الأحياء الشعبية في المدن الكبيرة للبرازيل، وزي ما بيبدأ بيريرا في فيلمه برصد معاناة أربعة أطفال لكسب قوتهم اليومي بنشوف بعدين معاناة مماثلة سواء لأطفال - سواء رفقة أهاليهم في أفلام زي

 "Barren lives, Rio, zona norte"

ودي أفلام تالية صدرت لبيريرا، أو أطفال بيقاسوا الحياة وحدهم زي فيلم 

"Cat skin" 

لجواكيم بيدرو.

كما لم تقتصر أفلام الحركة على رصد معاناة سكان الأحياء في المدن، وتخلوا عن مركزية المدينة واتجهوا للريف، فتنوعت مواضيعهم في الريف ما بين رصد سيطرة الإقطاع، وده بيكون موضوع فيلم "Barren lives"، واللي بيبدأ بيه كمان جلوبير روشا فيلم الحركة الأشهر 

"Black god, white devil"

وما بين مواضيع زي سيطرة الكنيسة الكاثوليكية، وتحالف رجال الدين مع الإقطاع ورجال الحكومة، وده بيتجلى في أفلام زي 

The given word, The priest and the girl

Entranced earth, Barren lives, The guns

لأنسيلمو دوارتي وجواكيم بيدرو وجلوبير روشا وبيريرا وروي جويرا.

كما اتجه رواد الحركة لرصد فئات مهمشة زي صيادين السمك، وده بيظهر في فيلم روشا 

Barravento 

وفيلم باولو ساراسيني 

Arraial do cabo.

تنوعت كمان المواضيع فاتجهت لرصد تبعيات الفقر، وعليه انتشار الدعارة، الخيانة الزوجية والفضائح الأخلاقية، ولكن المثير للانتباه هو عدم اهتمام المخرجين بما هو أخلاقي، بقدر اهتمامهم بما تعبر عنه الانحرافات دي، نتيجة القمع السياسي والاقتصادي.

 وده بيتمثل في أفلام زي

Falecida, Porto das caixas, The unscrupulous ones, The given word, Antonia des mortes.

لمخرجين زي ليون هيرسزمان، وراي جويرا. وباولو سيزار ساراسيني، وهو مخرج ملهم جدا، ف زي ما بيرصد خيانة امرأة فقيرة لزوجها بسبب سأمها منه في فيلم 

Porto das caixas

فهو بالمثل بيرصد السأم البرجوازي- ك أنطونيوني- في فيلم تالي له، ومن زاوية مختلفة تماما في فيلم 

The dare

بجانب تأثره بموتيفات أصيلة في الأدب، زي ماكبث وأورفيوس.

بتظهر كمان تيمات واضحة في أفلام الحركة، زي كون كرة القدم خلفية للأحداث، وده بيشترك فيه أفلام زي 

Falecida, Rio 40 Guars .

كمان وجود شهيد- ومُضحي في النهاية، سواء بشكل واقعي، أو مجازي - زي الفيلمين السابقين، وفي أفلام زي 

The given word, The guns, The priest and the girl, Black god white devil, Porto das caixis, Entranced earth, Rio, zona norte

وغيرهم.

بعض الأفلام مالت أيضًا لنهايات بيضيع فيها أبطالها، زي فيلم روشا Black god white devil

اللي بينتهي فيه الزوجين وهما بيجروا إلى لا نهاية، أو زي فيلم بيريرا Barren lives لما الزوجين بيمشوا وسط أرض جافة وقاحلة وبيشوبهم نزعة عدمية، وكذلك في فيلم 

Antonio des mortes.

وبالطبع فده كان راجع لقلق بيسيطر على صناع الأفلام، ومعبر عن تيههم بخصوص ما هو قادم بعد تغير أكتر من حكومة، وتوجسهم من التوغل والهيمنة الأمريكية بعد 61 وتولي حكومة جولات الإصلاحية، تخوفًا من السياسة الأمريكية اللي وضعت دول أمريكيا اللاتينية نصب أعينها، خاصة بعد نجاح الثورة الكوبية، واللي توقعوه هو ما حدث بالفعل في 64، بعد الانقلاب اللي دعمته أمريكا على حكومة جولات، انتصارا للديكتاتورية العسكرية، وده اللي بيفسر غضب كبير في أفلام الحركة ما بعد 64، واتجاه المخرجين لرصد سلطة تلتهم نفسها بنفسها، وده بيتمثل في أفلام زي 

Entranced earth 

لروشا، وفيلم 

The brave warrior 

لجوستافو داهيل، اللي بيرصدوا أزمات لسياسيين إلى جانب السلطة، وكمان ده بيفسر ليه أفلام رواد الحركة اختلفت مع نهاية الستينيات وفي السبعينيات، زي 

Of gods and the undead, Macunaima, S. Bernando

لروي جويرا، وجواكيم اندرادو، وليون هيرسزمان، فكانت مراوغات لا مفر منها.

يُلاحَظ تأثر بالواقعية الإيطالية في اختيار المواضيع، ومن الناحية الأسلوبية والإيقاع تأثر بالفرنسية الجديدة، من تصوير خارجي وخطوط سردية متوازية وإيقاع سريع أحيانا.

كل ما سبق بيوصلنا ل"جماليات الجوع" وهو المصطلح اللي أشار له جلوبير روشا في بيانه عن الحركة عام 1965، بوصفها حركة مضادة للسينما التجارية في البرازيل، الممسوخة من السينما الهوليوودية، والتي لا تعد أكثر من محاكاة رديئة، وعوضًا عنها رأى روشا ورفاقه مسؤولية حقيقية في رصد الجوع والفقر والاستبداد وبدون عاطفة أو رومانسية رخيصة، ليصل المشاهد للغضب، لا الحزن، لكي يثور.

بالتالي لجأ الرواد للتعبير عن الجوع والاستبداد بغضب وجموح كبيرين، وده ممكن يتجلى في المشهد الأخير من فيلم جويرا 

The guns

واللي بينتهي بوحشية تامة، متمثلة في التهام الفلاحين للثور المقدس بشراهة، ومن خلاله بيشير جويرا إلى أن التضحية الفردية- كتضحية سائق الشاحنة- ليست كافية، وإنما يلزم للتغيير غضب جمعي، ولكنه للأسف في الفيلم يصبح غضب غير مكتمل، لأن الجوع هو المهيمن.

مخرجي الحركة وروادها هم

جلوبير روشا - Glauber rocha

روي جويرا - Ruy Guerra

جواكيم بيدرو دو اندرادي - Joaquim Pedro de Andrade

باولو سيزار ساراسيني - Paolo Cesar Sarceni

نيلسون بيريرا دو سانتس - Nelson Pereira dos Santos

ليون هيرسيزمان - Leon Herszman

روبيرتو سانتوس- Roberto Santos

كارلوس دييجوس - Carlos Diegues

انسيلمو دوارتي - Anselmu Duarte

يفضل البدء بأفلام زي 

Rio 40 Guars, The given word, Falecida, Barren lives.

لأنها أفلام ذات سرد خطي وبسيطة في تتبعها.